سد النهضة: مشروع تاريخي يجمع الوحدة الوطنية والتعاون الإقليمي والدولي
293
في حلقة خاصة من برنامج بودكاست فانا عربي، تحدث ياسين أحمد، رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، عن مشروع سد النهضة الإثيوبي الكبير، مستعرضًا جميع الجوانب التي كشفها رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد خلال لقائه من موقع السد بمنطقة غوبا.
الإنجاز التاريخي لسد النهضة
وقال أحمد إن اللقاء شاهده مرتين واستمتع بكل تفاصيله، واصفًا مقابلة رئيس الوزراء بأنها من أفضل اللقاءات التي تناولت موضوع سد النهضة:
هذا اللقاء يعتبر من أفضل المقابلات التي أجرها رئيس الوزراء الدكتور آبي أحمد عن موضوع سد النهضة، لأنه تحدث عن السيرة والمسيرة، بمعنى المشروع الذي كان حلمًا منذ أكثر من ألف سنة تحقق بعد مسيرة حافلة بالتحديات والفرص.
وتناول المشروع من حيث الإنجاز التاريخي، وكيف استطاعت إثيوبيا بفضل الله أولًا ثم بفضل عزيمة الشعب والحكومة أن تحقق هذا الحلم الكبير”،وأشار أحمد إلى الحقائق التي كشف عنها المشروع، وقال: هذا المشروع كشف عن حقائق كثيرة كانت مستورة أو غائبة، ومنها أن مياه نهر آباي التي تتدفق من إثيوبيا إلى دولتي المصب لم تكن المياه وحدها، بل كانت مع المياه تتدفق المعادن الثمينة مثل الذهب والطمي،ما لم نكن نعرفه والذي صرح به رئيس الوزراء أن الذهب كان أيضًا يتدفق مع مياه النيل.
ما يقلق مصر ليس توقف تدفق المياه، بالعكس المياه مستمرة، لكن ما تغير هو استفادة إثيوبيا من الذهب والطمي الذي كان يتدفق مع مياه النيل إلى مصر.
وأكد أحمد أن المشروع هو أكبر مشروع تنموي في إثيوبيا، وقال:
سد النهضة يعتبر أم المشاريع وكبريات المشاريع التنموية في إثيوبيا، وبعد اكتماله، المشاريع التالية ستكون سهلة جدًا.
هذا المشروع أثبت قدرة إثيوبيا على صناعة المعجزات، وهو ليس مشروعًا تنمويًا لإثيوبيا فقط، بل أيضًا مشروعًا تنمويًا لأفريقيا”.
الدروس الوطنية من المشروع
تطرق أحمد إلى الدروس الوطنية التي يمكن استخلاصها من مشروع سد النهضة، وقال: هناك دروس كثيرة، لكن أستطيع أن أختصرها في ثلاثة دروس رئيسية.
أولاً أهمية الوحدة الوطنية الإثيوبية، رغم اختلافاتنا الداخلية والتباينات السياسية والقومية، وكثير من التباينات والتنوع الثقافي والاجتماعي للشعب الإثيوبي، هناك إجماع شعبي على المصالح الوطنية وصفه بأنه هذا درس مهم جدًا للشعب الإثيوبي في الداخل والخارج.
وأشار ياسين أحمد إلى الدور الحيوي للمغتربيين الإثيوبيين، فقال:
المغترب الإثيوبي يدافع عن مصالح إثيوبيا مع الشعب داخل البلاد وأن الدفاع عن مصالح إثيوبيا علمنا درسًا مهمًا عن الوحدة الوطنية”.
وأضاف أحمد أن الدرس الثاني يتعلق بالإجماع السياسي للأحزاب: “ما أعجبني في مسيرة مشروع سد النهضة أن حتى الأحزاب المعارضة وقفت جنبًا إلى جنب مع الحكومة الإثيوبية في مشروع تشييد السد، هذا التوافق السياسي للنخب والأحزاب يعتبر فريدًا من نوعه، وهكذا الأمم تبني المشاريع الكبرى من خلال توافق سياسي وشعبي”.
أما الدرس الثالث، بحسب أحمد، فهو أهمية المشاريع الإقليمية والدبلوماسية:
سد النهضة يعلمنا درسًا أن مصالح إثيوبيا مرتبطة بالجغرافيا السياسية والمصالح الإقليمية والدولية.
هذا المشروع يوضح أهمية التعاون الإقليمي والدبلوماسية، سواء كانت شعبية أو رسمية، وأهمية الانفتاح نحو المحيط العربي لتحقيق المصالح المتبادلة والتنمية المشتركة”.
التأثير الإقليمي والدولي للمشروع
تحدث رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية عن التأثير الإقليمي لمشروع سد النهضة، وقال: سد النهضة خلق واقعًا جديدًا للتعاون بين دول حوض النيل، قبل المشروع لم تكن هناك اتفاقيات تعزز الأمن المائي الإقليمي، أما الآن بعد اكتماله، فإن المشروع يفرض التعاون الإقليمي بين دول المنبع ودول المصب لضمان تدفق المياه وتأمين الموارد المائية، هذا التعاون لن يقتصر على المياه فقط، بل سيمتد إلى مجالات اقتصادية وأمنية وثقافية أوسع”.
وأشار أحمد إلى تصريحات رئيس الوزراء حول حصول إثيوبيا على منفذ بحري على البحر الأحمر، قائلاً إثيوبيا تتجه نحو تأمين منفذ بحري على البحر الأحمر، في خطوة تعكس طموحاتها الاقتصادية والاستراتيجية على المستويين الإقليمي والدولي.
في الماضي، كانت القوى الاستعمارية تحرم إثيوبيا من منفذ بحري لضمان مصالحها، أما اليوم، فالمعادلة مختلفة، إذ أصبحت إثيوبيا لاعبًا إقليميًا مؤثرًا في صنع القرار السياسي.
هذا التوجه يرتبط أيضًا بمشروع سد النهضة، إذ يمثل النجاح في هذا المشروع رسالة واضحة عن قدرة إثيوبيا على تحدي القيود التاريخية واستعادة حقوقها الاستراتيجية.
الحصول على منفذ بحري لن يخدم فقط الأغراض الاقتصادية، بل سيعزز الدور الإقليمي والدولي لإثيوبيا في حفظ أمن البحر الأحمر، لا سيما أنها أكبر دولة في شرق إفريقيا وأحد الأطراف الأساسية لضمان الاستقرار في المنطقة، سواء من الجانب الإفريقي أو العربي المطّل على البحر الأحمر.
باختصار، السعي الإثيوبي للحصول على منفذ بحري ليس مجرد هدف اقتصادي، بل جزء من استراتيجية متكاملة لتعزيز النفوذ السياسي والأمني والاقتصادي لإثيوبيا على المستويين الإقليمي والدولي.
وأضاف أحمد أن الاحتفال بافتتاح السد سيكون حدثًا إفريقيًا الاحتفال لن يكون احتفالًا لإثيوبيا فقط، بل سيكون احتفالًا لأفريقيا، لأن مشروع سد النهضة أكبر مشروع في القارة، وهو رمز للتحرر والتنمية والوحدة الإفريقية.
المشروع يعكس رؤية إثيوبيا في بناء مشاريع إقليمية وتنموية تتعدى الفوائد الوطنية لتشمل المحيط العربي والأفريقي”.
وختم أحمد حديثه قائلاً: مشروع سد النهضة أصبح اليوم واقعًا جديدًا يغير قواعد اللعبة الإقليمية، بعد أن أصبح تحت مظلة المفوضية الأفريقية في عنتيبي، التي ساهمت في تحرير ملف النيل من القيود والاتفاقيات الاستعمارية السابقة، بما يتوافق مع القانون الدولي واتفاقيات الأمم المتحدة.
سد النهضة خلق واقعًا جديدًا قائمًا على أهمية التعاون الإقليمي، سواء في المجال المائي أو الأمن الإقليمي.
السؤال المطروح الآن: هل تقتصر المصالح المشتركة بين دول المنبع ودول المصب على التعاون المائي فقط؟ الجواب لا؟ إذ يفتح سد النهضة الطريق نحو تعاون إقليمي أوسع يشمل الجوانب الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والأمنية، إذ أن حجم المصالح المشتركة بين دول المنبع ودول المصب أصبح أكبر من مجرد مشروع مائي، ما يعزز من فرص بناء شراكات استراتيجية إقليمية متعددة الأبعاد.