Fana: At a Speed of Life!

شراكة تاريخية ومستقبل واعد: فنزويلا وإثيوبيا تعززان روابط الجنوب العالمي

في تأكيد قوي على عمق العلاقات التاريخية وآفاق التعاون الواعدة، أعلن سعادة السفير إيدي خوسيه كوردوبا كورسيغا، سفير فنزويلا لدى إثيوبيا وجيبوتي وجنوب السودان، والممثل الدائم لدى الاتحاد الأفريقي، أن العلاقات الثنائية بين فنزويلا وإثيوبيا تشهد زخمًا غير مسبوق، مدفوعة برؤية مشتركة لدبلوماسية الجنوب العالمي جاء ذلك في حوار مطول مع فانا ديجيتال سلط الضوء على أبعاد هذه الشراكة المتنامية.

75 عاماً من الصداقة الدبلوماسية

تحدث السفير كورسيغا عن الاحتفال بمرور 75 عامًا على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين فنزويلا وإثيوبيا، مشدداً على أن هذه العلاقة لم تشهد أي انقطاع طوال هذه العقود، ما يؤكد عمق الصداقة التي تربط البلدين، وأكد أن هذه الصداقة تجلت بوضوح في مختلف المحافل، سواء كانت متعددة الأطراف أو على المستوى الثنائي، حيث لم تشهد أي خلافات تُذكر، بل على العكس، كانت المواقف متناغمة إلى حد كبير، وهو ما يعكس درجة عالية من التفاهم والتقارب.

وأشار السفير إلى أن العلاقات استعادت زخمها بشكل كبير مع إعادة فتح سفارة فنزويلا في أديس أبابا، والتي كانت مغلقة لفترة قصيرة لأسباب إدارية، ولفت إلى أن اللقاءات والتنسيق استمرا، لا سيما في إطار المنظمات الدولية، حيث كان البلدان دائمًا على تواصل وتعاون مستمر.

ومن أبرز المحطات التاريخية التي تدل على هذا التقارب، ذكر السفير أن حكومة فنزويلا منحت إثيوبيا في القرن الماضي أعلى وسام تمنحه، وهو وسام لا يزال محفوظًا حاليًا في قصر المتحف الوطني بأديس أبابا، مما يرمز إلى مستوى التكامل بين البلدين.

آفاق واسعة للتعاون: من المشاورات السياسية إلى الطاقة والتكنولوجيا

شدد السفير كورسيغا على أن هذا التقارب بين فنزويلا وإثيوبيا قد شكّل دافعاً قوياً لطرح مبادرات وأفكار جديدة يجري العمل على مناقشتها بشكل بناء، وأفاد بأن هناك طموحاً كبيراً، على المدى القريب، لتوقيع مذكرة تفاهم تهدف إلى إنشاء آلية للمشاورات السياسية المنتظمة بين البلدين.

ومن خلال هذه الآلية، تسعى فنزويلا وإثيوبيا إلى تشكيل لجنة مشتركة تُعنى بمختلف جوانب التعاون، بما يشمل المجالات الاقتصادية، السياسية، والثقافية.

وأكد السفير على إيلاء اهتمام خاص لتعزيز التعاون في قطاعات حيوية تشمل الطاقة، الزراعة، التعدين، السياحة، النقل، الفضاء، التكنولوجيا، والاتصالات.

واعتبر السفير أن انضمام إثيوبيا إلى مجموعة بريكس العام الماضي يمثل أمراً “مهماً جداً”، مشيراً إلى اللقاء المثمر الذي جرى بين قادة البلدين في قمة قازان، حيث تم التوافق على مجموعة من القضايا، ويجري العمل حاليًا على تنفيذ ما تم الاتفاق عليه هناك، بما في ذلك الحاجة إلى التقارب في مجالات المشاريع المشتركة لتطويرها على النحو الأمثل.

رؤية اقتصادية مشتركة

تطرق السفير إلى التشابهات الجغرافية والثروات الطبيعية الكبيرة التي يتمتع بها البلدان، مشيرًا إلى أن فنزويلا وإثيوبيا تتمتعان بمساحات جغرافية متقاربة وموارد طبيعية متشابهة إلى حد كبير، فإثيوبيا تمتلك مساحات شاسعة من الأراضي الخضراء والجبال وموارد مائية كبيرة، بينما تحتضن فنزويلا نهر أورينوكو، مهد الأنهار الكبرى، وتتميز بسواحل تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف كيلومتر.

وأكد السفير على الإمكانات الكبيرة في مجال الموارد المعدنية، حيث تتوفر في فنزويلا معادن متنوعة مثل البوكسيت، الحديد، والمعادن الأرضية النادرة.

وأعرب عن اعتقاده بأن التعاون النشط في هذه المجالات يمكن أن يخلق منصة تدمج القدرات التكنولوجية المطورة في كلا البلدين، ومن خلالها يمكن بناء فرق عمل تمكن البلدين من استغلال مواردهما وقدراتهما الخاصة لتوليد ثرواتهما الخاصة وتقليل الاعتماد على الجهات الخارجية.

وفي خطوة هامة نحو تعزيز الاستقلالية الاقتصادية، كشف السفير أن فنزويلا تفكر جدياً في البدء بالتجارة باستخدام العملات المحلية، وذلك بهدف “حماية اقتصاداتنا من مخاطر تقلبات السوق”.

دبلوماسية إنسانية وتجربة ثقافية غنية في إثيوبيا

وصف السفير كورسيغا انطباعاته الأولى عن أديس أبابا بأنها “مدينة في حالة تحول متسارع وتشهد تحديثًا عمرانيًا واقتصاديًا مذهلاً يتجاوز وتيرة النمو التقليدي التي نشهدها في العديد من مدن إفريقيا وأمريكا اللاتينية”.

وأشار إلى أن هذه زيارته الرابعة للمدينة، وأن علاقته بإثيوبيا بدأت وثيقة منذ عام 2010 عندما كانت مهمته الحصول على دعم إثيوبيا.

وروى السفير موقفًا طريفًا من زياراته، وهو احتفال “يوم الصليب” في أحد شوارع أديس أبابا العام الماضي، حيث أغلق الشارع بالكامل بصلبان كبيرة، وشهد مساءً إيقاد نار ضخمة كجزء من الطقوس الدينية، هذا الموقف، كما قال، “أثار فضولي لكنه يحمل رسالة مهمة بالنسبة لي شخصياً أن التعددية الثقافية تُحتفل بها ويحق لكل شخص التعبير عن إيمانه بطريقته”.

وأشار إلى أن هذا التنوع يشبه ما هو موجود في فنزويلا، حيث تتعايش خمس مجموعات دينية كبيرة في نفس الشارع دون صراعات، مما يعزز إيمانه “بقيمة الإنسان وبمدى تشابهنا وأن بإمكاننا أن نعمل معاً”.

على المستوى الشخصي، أكد السفير أن تجربته في إثيوبيا قد نضجت به كثيرًا وجعلته أكثر انفتاحًا وتسامحًا، ولفت إلى أن مشاهدة فرح الأطفال عند تسليمهم اللوازم المدرسية في إطار برنامج “أجندة إفريقيا” وافتتاح المدارس التي كانت تُدار تحت ظلال الأشجار، تركت أثرًا عميقًا في نفسه، معتبرًا ذلك تجسيداً “لدبلوماسية سلمية بوليفارية” التي تهدف إلى خدمة المجتمعات.

شغف بالثقافة المشتركة و”أم أفريقيا قوة الجنوب العالمي”

سلط السفير الضوء على التشابه الكبير في التراث الثقافي بين البلدين، مشيرًا إلى قائمة اليونسكو التي تسجل التراث الطبيعي والثقافي المادي وغير المادي، حيث تمتلك إثيوبيا وفنزويلا قوائم ضخمة من المواقع التراثية المتشابهة، بما في ذلك السلاسل الجبلية المرتفعة.

وأشار إلى أن اكتشاف “لوسي” في إقليم عفار بإثيوبيا، يمنح إثيوبيا حق الادعاء بأنها مهد البشرية، وهو معترف به تراثيًا، مما يمثل “قوة ناعمة حقيقية” يجب حمايتها من الاستغلال غير المسؤول.

في إطار تعزيز هذه الروابط الثقافية، تحدث السفير عن أهمية برنامج “الأوركسترا والجوقات للأطفال والشباب” الفنزويلي، الذي بدأ تطبيقه منذ 50 عامًا ويهدف إلى تعليم الأطفال والشباب العزف والغناء والرقص وقد تم تطبيق هذا النظام في 5 أو 6 دول أفريقية، ويعرب السفير عن أمله في تطبيقه في إثيوبيا بالتعاون مع معهد الموسيقى بجامعة أديس أبابا.

هذا البرنامج، بحسب السفير، “يقلل من التسرب المدرسي والفراغ ويعزز المسؤولية”، ويعد مفيداً للأطفال والكبار على حد سواء، لأنه يغذي الشغف ويمنح الأفراد شعوراً بالمستقبل.

وعلى الرغم من أن مهامه الدبلوماسية لا تترك له الكثير من وقت الفراغ، إلا أن السفير يحرص على التواصل مع عائلته وأحبائه عبر الوسائل الرقمية، والاطلاع على الوثائق التاريخية كما يعرب عن رغبته الشديدة في زيارة العديد من المتاحف والمواقع التاريخية في إثيوبيا، مثل متحف عدوة، قصر المتحف الوطني، ومتحف جامعة أديس أبابا، بالإضافة إلى المواقع المدرجة في قائمة اليونسكو مثل غوندر، لاليبيلا، ومدينة هرر التاريخية.

وعند سؤاله عما يذكره بوطنه، قال السفير إن جبل إنطوطو في أديس أبابا يذكره بجبل غوايرا ريبانو في كاراكاس، وأضاف أن الشوارع الواسعة والمباني الحديثة التي تتطور في أديس أبابا تشبه كثيراً أجزاء من كاراكاس والأهم من ذلك، أن “الإثيوبيين لطيفون وودودون ومتقبلون ولا يوجد أي تصرفات تمييزية”، مما يجعله يشعر وكأنه في بيته.

وعن المطبخ الإثيوبي، ذكر أنه جرب لحم الضأن مع الإنجيرا والشيرو وفيما يتعلق بالقهوة، أشار إلى أن إثيوبيا وفنزويلا كلاهما يقعان شمال خط الاستواء، وينتجان كميات كبيرة من قهوة الأرابيكا عالية الجودة، مؤكداً أن “الجودة” هي الأهم وليس مجرد الكمية.

في لمسة شخصية مؤثرة، كشف السفير أن عنوان كتابه المستقبلي عن تجربته في إثيوبيا سيكون: “أم أفريقيا قوة الجنوب العالمي”. هذا العنوان، بحسب السفير، يعكس إيمانه العميق بأن “أفريقيا هي أم الإنسانية” وبإمكانات القارة السمراء، وأيضاً بإمكانات بلده وقارته أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي.

وأوضح أن “بمفردنا لا نفعل شيئاً، لا نحن ولا أنتم، لكن إذا أدركنا أننا نشترك في أم واحدة، وأننا معاً يمكننا أن نكون القوة التي تعيد توجيه مصير الإنسانية من الجنوب عالمياً، فنحن نصنع أشياءً جيدة وجديدة وضرورية.”

واختتم سعادة السفير إيدي خوسيه كوردوبا كورسيغا، الذي يتواجد في إثيوبيا منذ أغسطس الماضي، رسالته للمواطن الإثيوبي بتركيز قوي على الوحدة: “نحن الإثيوبيون والفنزويليون وسكان الجنوب العالمي يجب أن نعمل من أجل هدف واحد ووحيد: نحن فقط القادرون على تحقيق أقصى سعادة ممكنة لأسرنا وشعوبنا ولنفسنا، ليس الآخرون بل نحن الرسالة هي رسالة وحدة، لقاء، جهد، وإيمان بقدراتنا الهائلة وثرواتنا التي لا تحتاج إلى أحد، لأننا نمتلك كل شيء.”

You might also like

Leave A Reply

Your email address will not be published.