Fana: At a Speed of Life!

سد النهضة.. رمز الإرادة الشعبية الإثيوبية

‎قصة كيروس أسفاو تكشف البعد الوطني لمشروع القرن

‎لم يكن سد النهضة الإثيوبي الكبير منذ انطلاق فكرته مجرد مشروع هندسي ضخم لتوليد الطاقة الكهرومائية، بل تحوّل إلى رمزٍ جامع للإرادة الوطنية، وإلى اختبارٍ لقدرة الشعب الإثيوبي على مواجهة التحديات وتحويل الحلم إلى واقع.

‎منذ الإعلان عن المشروع عام 2011، واجهت إثيوبيا صعوبات مالية بسبب غياب التمويل الخارجي، الأمر الذي دفع الحكومة إلى إطلاق حملة تعبئة داخلية غير مسبوقة، دعت المواطنين للمساهمة بشراء السندات والتبرع من رواتبهم. هذه الاستجابة الشعبية جعلت السد مشروعًا ملكًا للشعب، يشارك فيه كل فرد مهما كان دخله.

‎المواطن البسيط في قلب المشروع

‎في هذا السياق، برزت قصص ملهمة، لعل أبرزها قصة المواطن كيروس أسفاو، العامل في المجال الطبي وأحد أبناء منطقة تيغراي. لم يكتفِ كيروس بالتبرع براتب شهر كما فعل الآلاف عند وضع حجر الأساس، بل حوّل دعمه إلى التزام مستمر باقتطاع جزء من راتبه كل شهر لصالح السد.

‎وبفضل مثابرته، اشترى 113 سندًا حتى اليوم، ليصبح نموذجًا حيًا لروح التضامن والإصرار التي رافقت مسيرة المشروع.

 

‎السندات.. أداة وطنية للتعبئة

‎تمثل سندات سد النهضة واحدة من أكثر أدوات التمويل الشعبي خصوصية في القارة الأفريقية، إذ ساهمت في إشراك المواطنين في بناء مشروع قومي يفوق قدرات الدولة بمفردها لم تكن هذه السندات مجرد ورقة مالية، بل تحولت إلى وثيقة رمزية تعبّر عن الانتماء الوطني، وتجسّد قناعة الإثيوبيين بأن مستقبلهم مرهون بقدرتهم على الاعتماد على أنفسهم.

‎مشروع يتجاوز الطاقة

‎لا يُختزل سد النهضة في كونه أكبر محطة لتوليد الكهرباء في أفريقيا بقدرة تتجاوز 6 آلاف ميغاواط، بل يُعتبر أيضًا أداة لتعزيز الوحدة الوطنية.

‎فالمشاركة الشعبية، من القرى النائية إلى المدن الكبرى، أظهرت أن المشروع تجاوز حدوده التقنية ليصبح مشروعًا سياسيًا واجتماعيًا بامتياز، يجمع الإثيوبيين حول هدف واحد رغم تنوعهم العرقي والثقافي.

‎أبطال صامتون

‎قصة كيروس أسفاو ليست إلا مثالًا من بين آلاف الأمثلة لمواطنين ضحّوا بمواردهم المحدودة دعمًا لسد النهضة. هذه التضحيات الصغيرة، المتراكمة عبر السنين، هي التي جعلت من السد حقيقة قائمة اليوم، وقوة دفع لمستقبل إثيوبيا في مجال التنمية والطاقة والسيادة الوطنية.

‎سد النهضة إذن لم يُبنَ فقط من الخرسانة والحديد، بل من إرادة شعب وذكريات أبطال صامتين، أمثال كيروس، الذين أدركوا أن المشاريع الكبرى لا تتحقق إلا حين تتحول إلى قضية وطنية يتبناها الجميع.

‎البعد السياسي والدبلوماسي

‎لم يقتصر أثر سندات سد النهضة على تعبئة الموارد المالية الداخلية، بل تحولت إلى رسالة سياسية للعالم الخارجي،فقد أرادت إثيوبيا أن تثبت أنها قادرة على إنجاز مشروعها الاستراتيجي اعتمادًا على إمكاناتها الذاتية ودون الخضوع لضغوط التمويل الدولي المشروط.

‎وبهذا المعنى، أصبحت السندات أداة سيادية بامتياز، تعكس تصميم الشعب الإثيوبي على حماية حقه في التنمية، وتؤكد أن سد النهضة ليس مجرد مشروع اقتصادي، بل مشروع سيادة وطنية ورسالة دبلوماسية تعزز مكانة إثيوبيا في القارة الأفريقية وعلى الساحة الدولية.

You might also like

Leave A Reply

Your email address will not be published.