السودان وسد النهضة.. بين التباين السياسي ونصائح الخبراء
133
منذ انطلاق أعمال بناء سد النهضة الإثيوبي الكبير وحتى تدشينه مؤخراً، ظل الموقف السوداني متأرجحاً بين الاعتبارات السياسية والمصالح الفنية، فبينما يؤكد خبراء الري والمهندسون على الفوائد التي يمكن أن يجنيها السودان من المشروع، لم يحسم الموقف الرسمي نفسه، متأثراً في أحيان كثيرة بالاصطفاف إلى جانب الموقف المصري.
وقد دشنت أديس أبابا في التاسع من سبتمبر الجاري السد الذي يعد مشروعاً قومياً ومصدر فخر للإثيوبيين، في احتفال غابت عنه مصر والسودان رغم توجيه إثيوبيا دعوة للبلدين لحضور الحفل.
ويرى الصحفي السوداني محمد حامد جمعة نوار –في حديثه لبوكاست فانا عربي- أن السد يمثل بداية خير لبلاده، مشيراً إلى أن وزراء ري سابقين وخبراء فنيين أكدوا أن المشروع انعكس بالفعل على تحسين أداء السدود السودانية وتنظيم الري، بما يتاح للسودان فرصاً أكبر للتوسع الزراعي وزيادة الصادرات وتحقيق اكتفاء غذائي.
ويؤكد جمعة أن السودان هو الأقرب جغرافياً وفنياً للاستفادة من كهرباء السد، خاصة في ولايات النيل الأزرق وسنار والقضارف وكسلا والبحر الأحمر، ما يفتح الباب أمام تحول اقتصادي كبير في شرق البلاد عبر توفير الكهرباء وتشجيع الصناعات والاستثمارات.
ورغم ذلك، يلفت إلى أن غياب السودان عن حفل التدشين كان خطأً سياسياً، معتبراً أن مشاركة الخرطوم كانت ستعكس حرصها على تعزيز المكاسب وتفادي خسارة فرص التعاون مع إثيوبيا.
أما على الصعيد الفني، فيوضح جمعة أن الموقف السوداني لم يكن معارضاً للسد في يوم من الأيام، مستشهداً بمذكرة التفاهم المسربة بين الخرطوم وأديس أبابا والموقعة في أكتوبر 2022ـ ويضيف أن التحفظات السودانية اقتصرت على الجوانب الفنية مثل إدارة التشغيل وخطط الملء، بينما ظلت القاهرة تنظر بعين الريبة إلى أي تقارب سوداني إثيوبي.
وينتقد الصحفي السوداني الخطاب المصري الذي وصفه بالتعبوي أكثر من كونه علمياً، لافتاً إلى أن إثارة مخاوف الانهيار أو العطش لم تأخذ في الاعتبار أن السد أصبح واقعاً لا يمكن تجاوزه، تماماً كما حدث مع السد العالي في مصر.
كما أشار إلى أن اتفاقية 1959 لتقسيم مياه النيل، والتي منحت مصر 55.5 مليار متر مكعب مقابل 18.5 مليار للسودان، لم تراعِ الزيادة السكانية ولا احتياجات التنمية لبقية دول الحوض وعلى رأسها إثيوبيا، وهو ما اعتبره ظلماً تاريخياً.
ويرى جمعة أن اكتمال السد عزز موقف إثيوبيا التفاوضي، بينما خسر السودان ومصر أوراق ضغط كانا يستخدمانها سابقاً، مؤكداً أن التعاون الثلاثي هو الخيار الاستراتيجي الوحيد المتبقي، لأن أي مواجهة ستكون مكلفة لجميع الأطراف، بينما تظل الاستفادة المشتركة ممكنة.