Fana: At a Speed of Life!

البحر الأحمر وميناء عصب: الحق التاريخي لإثيوبيا وسعيها لاستعادة المنفذ البحري

تعود قضية البحر الأحمر، وتحديدًا ميناء عصب، إلى الواجهة بعد ثلاثة عقود من الغياب، لتفتح تساؤلات حول كيفية فقدان إثيوبيا لمنفذها البحري وتحولها إلى دولة حبيسة رغم قرب البحر منها بمسافة 60 كيلومترًا فقط.

يتطرق برنامج “ساحة حوار” مع رئيس المعهد الإثيوبي للدبلوماسية الشعبية، الأستاذ ياسين أحمد، إلى الجوانب التاريخية والقانونية والجغرافية والاقتصادية لهذه القضية، والجهود الحالية لإثيوبيا لاستعادة حقها التاريخي في البحر الأحمر.

أهمية البحر الأحمر لإثيوبيا

يؤكد الأستاذ ياسين أن البحر الأحمر يمثل لإثيوبيا أكثر من مجرد منفذ تجاري، فهو يشكل جزءًا من الجغرافيا والاستراتيجية الوطنية، يشكل ممرًا تجاريًا عالميًا يمر عبره نحو 40% من التجارة العالمية، ويعد أقصر الطرق التي تربط إفريقيا بآسيا وأوروبا.

تاريخيًا، كانت إثيوبيا تسيطر على أكثر من 2000 كيلومتر من ساحل البحر الأحمر، بما في ذلك ميناء عصب، حتى فقدته بعد انفصال إريتريا.

ويشير ياسين أحمد إلى أن فقدان المنفذ البحري أثر بشكل مباشر على الاقتصاد الإثيوبي، حيث اضطرت البلاد للاعتماد على ميناء جيبوتي، مما يكلفها مليارات الدولارات سنويًا في رسوم النقل والخدمات اللوجستية، ويؤخر عمليات الاستيراد والتصدير، ويضعف فرص التنمية الاقتصادية.

الأسباب التاريخية لفقدان المنفذ البحري

هناك ثلاثة عوامل رئيسية جعلت إثيوبيا دولة حبيسة:

القوى الاستعمارية الغربية:  قسّمت القوى الاستعمارية شرق إفريقيا خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، بما فيها بريطانيا وإيطاليا وفرنسا، مناطق كانت تابعة للإمبراطورية الحبشية، أدت هذه التقسيمات إلى انفصال إريتريا وجعلت إثيوبيا بلا منفذ بحري مباشر.

الضغوط الإقليمية: بعض القوى الإقليمية رأت في تقليص نفوذ إثيوبيا ضرورة لموازنة القوة في البحر الأحمر والمحيط الهندي، وبالتالي ساهمت في منع إثيوبيا من الحفاظ على سيطرتها البحرية.

الأخطاء الداخلية للحكومات الإثيوبية المتعاقبة:  أبرزها الاعتراف باستقلال إريتريا خلال فترة حكم الجبهة الشعبية لتحرير تقراي والجبهة الشعبية لتحرير إريتريا، دون أن تحصل إثيوبيا على تعويض بإعادة ميناء عصب، هذا التنازل، وفق القانون الدولي، لم يكن شرعيًا لأنه اتخذته حكومة انتقالية لم تكن مخولة بالقرار الاستراتيجي.

الأبعاد القانونية والسياسية لاستعادة المنفذ

يشدد الأستاذ ياسين على أن إثيوبيا لا تنكر استقلال وسيادة إريتريا، لكنها تسعى لتصحيح خطأ تاريخيًا يتعلق بميناء عصب، استنادًا إلى وثائق تاريخية ومراسلات تؤكد أن الميناء كان تحت سيطرة السيادة الإثيوبية لعقود طويلة. ويشير إلى أن محاولات الوساطة الأمريكية والبريطانية سابقًا أكدت حق إثيوبيا في استعادة الميناء عبر المفاوضات، لكنها لم تُستغل بالكامل نتيجة التحالفات السياسية والاعتبارات الداخلية.

التحديات الإقليمية والدولية

يبرز الحوار أيضًا تحديات العلاقات مع إريتريا ومصر ودول الخليج، النظام الإريتري لم يلتزم باستحقاقات اتفاقية جدة 2018 التي كانت تهدف إلى تسهيل الوصول الإثيوبي إلى ميناء عصب، بينما المخاوف المصرية تتعلق بالضغط الإقليمي على البحر الأحمر والهيمنة على الممرات البحرية ومع ذلك، يرى الأستاذ ياسين أن هذه المخاوف مبالغ فيها، خاصة مع وجود قواعد عسكرية لدول كبرى في جيبوتي تضمن استقرار المنطقة.

الدروس من التجارب الدولية

يقارن الأستاذ ياسين تجربة إثيوبيا مع الاتفاقيات المائية بين تركيا والعراق، مشيرًا إلى أن إثيوبيا يمكن أن توظف الدبلوماسية الاقتصادية والإقليمية لتعزيز موقفها القانوني والسياسي في البحر الأحمر، تمامًا كما نجحت تركيا في استثمار اتفاقيات المياه لصالحها.

الحلول المستقبلية

يرى المحلل أن الحلول تعتمد على الإرادة السياسية الإثيوبية والتنسيق بين مؤسسات الدولة، والعمل على تسوية القضية عبر الوسائل القانونية والدبلوماسية، مع الحفاظ على علاقات إيجابية مع الدول المجاورة والقوى الدولية.

ويؤكد أن الهدف ليس فقط الوصول إلى منفذ بحري، بل استعادة الحق التاريخي لإثيوبيا في البحر الأحمر، بما يضمن الأمن والاستقرار والتنمية الاقتصادية للبلاد.

You might also like

Leave A Reply

Your email address will not be published.